الأحد، 1 نوفمبر 2015



التربية الفنية لمعرفة الأطفال


رغده فيصل الدعواني

طالبة دكتوراة التربية الفنية

2015م

     "بدأ الإهتمام بدراسة الطفل عند علماء النفس في الثمانينات من القرن الماضي بقيادة استانلي هول وكان الهدف من ذلك هو دراسة الطفل ومعرفة تطوره العقلي والجسمي وتكوين تصور جديد ومفهوم معاصر للطفل مبني على أفكار بستالوزي وهيربرت وفروبيل. هذا المفهوم أوضح أن الطفل فرد له إحتياجاته الخاصة والفريدة.. ولهذا تغيرت طريقةتدريس التربية الفنية ولم يعد هناك إصرار على الطفل ليرسم الخطوط الهندسية وليصمم وليعد نفسه لخدمة الصناعة، بل تحررت لتشمل تصوير الطفل للمناظر الطبيعية بالخامات المختلفة، حتى ظهرت مجلات للتربية الفنية وأقيم أول معرض للأعمال الفنية للأطفال في كولومبيا 1893م. (فضل،2000)

رسوم الأطفال مصطلح عالمي يهتم به المشتغلون بالتربية الفنية ويقيمون المعارض والمؤتمرا الدولية للإستزادة والفهم. كما انها تعني في المجال التربوي كل الإنتاج التشكيلي الذي ينجزه الأطفال على أي سطح كان، ولم تعد كلمة رسوم تقتصر على الرسوم الخطية ذات البعدين بل شملت كل تعبيرات الأطفال بصرف النظر عن الخامة المستخدمة. والأهم من ذلك هو الخصائص المميزة لتلك الرسوم والتي تعكس سمات الطفولة بكل أبعادها الجسمية والأنفعالية والعقلية وحتى الأخلاقية والنفسية في كل مرحلة من مراحل النمو المختلفة. (البسيوني،1960)

كانت أول كتابة منظمة عن الطفل هي تلك التي كتبها جان جاك روسو فهو أول مفكر ينظر للطفل كفرد من أفراد المجتمع لكنه في حالة نمو وتغير ولا ينبغي أن ينظر الناس إليه وكأنه راشد صغير. ولم يكتف بل أشار إلى أن يجب يعامل الطفل معاملة خاصة، لذلك حدد مراحل نمو الطفل ومراحل النضوج، وهي أربع مراحل كالآتي: (الضويحي،2003)

1.     المرحلة الحيوانية: رأى أن هذه المرحلة تبدأ منذ الولادة وحتى أن يبلغ الطفل الخامسة من عمره.
2.     المرحلة الوحشية: تبدأ هذه المرحلة من بعد عمر الخامسة وحتى الثانية عشر.
3.     مرحلة التعقل: تبدأ من بعد الثانية عشر وحتى مرحلة البلوغ.
4.     المرحلة الإجتماعية: تستمر من مرحلة البلوغ وحتى يكبر الطفل ليصبح راشداً.
هذا بالإضافة، إلى أن روسو خطط لطريقة تدريس الفنون للأطفال، ووضح دور المعلم في التدريس. و أشار روسو أيضاً، إذا جعلنا الطفل يرى ما تنتجه الطبيعة ومايقدمة الفن كذلك إذا نجحنا في استثارة حب الاستطلاع لديه وتتبع ميولة فيمكننا أن نكتشف الشرارة الأولى التي تبنئ بعبقريته. كل هذه الآراء حول الطفل وفنونه أثرت على كتابات الفلاسفة والأدباء من بعده. (الضويحي،2003)

على الرغم من توافر الأبحاث حول رسوم الأطفال إلا أنها أسفرت عن بعض الحقائق المتصلة بفنون الأطفال وإتجاهاتهم وتنوعها، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي: (خميس،1993)
1.     الطفل في سنواته الأولى يرسم مايعرفة لا مايراه.
2.     الطفل في سنواته الأولى يبالغ ويحذف في أجزاء رسومه تبعاً لإنفعالاته المختلفة.
3.     الطفل في سنواته الأولى من حياته يعبر تعبيراً تسطيحياً.
4.     اشارت التجارب على أن هناك فروقاً ملحوظة بين رسوم الجنسين.
5.     يميل الأطفال حتى سن العاشرة إلى رسم الأشخاص أكثر من الموضوعات الأخرى.
6.  دلت التجارب على أن هناك صلة كبيرة بين الإتجاهات المتبعة في رسوم الأطفال وتطور تعبيراتهم الفنية بصرف النظر عن بيئاتهم المختلفة.
7.     يلاحظ أن هناك تشابهاً بين رسوم الأطفال وبين رسوم الرجل البدائي.
8.     هناك صلة كبيرة بين رسوم الأطفال وبين قدراتهم الفطرية العامة.

تضافرت بعد ذلك عدة علوم معاً لتجعل المجال التربوي عميقاً، وجاعلةً من نظريات دراسة الطفل أبعاداً واسعة المدى، لتتجمع معطيات الفلسفة مع معطيات علم النفس مع معطيات الإنسان. كما أكتشف العلماء ضرورة تضافر هذه المجالات حتى تكتمل الثقافة ويصبح المشروع الثقافي سليماً. (الضويحي،2003)

قضية رسم الطفل ترتبط بطبيعته، وتلقائيته، فشخصيته التي تتمثل في رسوماته والرموز الأولية التي يجود بها إنما تمهد للشخصية المبدعة. لكن كيف السبيل إلى المحافظة عليها بلا ثقافة بصرية اصيلة تتفهم طبيعة الطفل، وطبيعة التراث الفني البشري الذي خلفته الحضارات السابقة. مكوناً من خلال ذلك قاموساً بصرياً يعتمد عليه طيلة حياته. (البسيوني،1989)

إن رسوم الأطفال في السن الصغير تمثل ثمرة لعوامل ثقافية متداخلة ومعقدة، وهي لا تأتي جزافاً بل هي تمهيد تلقائي وطبيعي للإبداع والتذوق ومعايشة القيم الفنية الأصيلة في وقت مبكر، وآن الأوان أن نحيطها بالرعاية والتشجيع. (البسيوني،1989)

من هذا المنطلق توسعت الدراسات حول الطفل، لينطلق بعضهم لينشئ نظريات عن الأطفال، وآخرون درسوا الأطفال في شكل مجموعات الذين انقسموا إلى قسمين:
         أ‌-    القسم الأول درس الطفل من حيث الأساليب والمعطيات المختصة بعلم الإنسان لتشمل السمات البدنية للأطفال وألوان سحنتهم والشعر، كما اشتملت على درجة النمو لديهم.
        ب‌-   القسم الثاني انتهج مناهج على النفس وأساليبه لتشمل دراساتهم النفسية من عدة مجالات مثل: دراسات في الميدان الحسي، دراسات في الإدراك، و دراسات في ميدان الحركة.

أما المختصين الذين اهتموا بالدراسات حول الطفل منتجين نظريات تختص بفنهم، هذه النظريات بدأت في الظهور من القرن التاسع عشر، تعددت وتنوعت تبعاً لمفهوم القائمين عليها، وهذا سرد للنظريات:
1.  النظرية التطبيقية أو نظرية حيوية الفن في طبيعة الطفل: ظهرت هذه النظرية في القرن التاسع عشر، وضعها ابينسر كوك، وجيمس سوللي، وتوماس اولوت. بُنيت هذه النظرية على أساس أن الفن تصوير للجمال في الطبيعة وتعبيراً عنه، و أن مصدر الفن هو الإلهام الجمالي. أكدت هذه النظرية على أن الطفل عندما يسعى إلى تحقيق مايسعده فإنه يرى في نفسه أنشطة ذاتية كالتعبير عن الذات حاصلاً بذلك على شعور عميق بالرضا والسمو والجمال.
2.  النظرية الجمالية في فن الطفل: وضع هذه النظرية فرانز تشزك، الذي قال إن رسوم الأطفال تعد فنوناً كاملة أو قائمة في حد ذاتها مستقلة عن فنون البالغين والكبار لها قيمها الجمالية الخاصة. تقول هذه النظرية إن لفن الطفل قواعده الخاصة وأن الطفل ينتج فناً له مميزات خاصة. فالعملية الفنية عند تشزك مثل اللعب تماماً.
3.  النظرية الإبداعية العملية الاجتماعية في فنون الأطفال: وضع هذه النظرية الفيلسوف جون ديوي، تشير نظريته إلى أن الطفل يتعلم بواسطة مواقف طبيعية ومعقدة وإن الخبرة الفنية تمده بنظام طبيعي لكي يعرف ويعمل. وإنه يفهم أنواع الفنون ويعبر عنها بتلقائية. والطفل كما يرى يدوي: هو العنصر الرئيسي في العملية الفنية غير أن الذي يمر به مهم بنفس الدرجة وأن مايحدث كنتيجة للعملية الفنية يكون في غاية الأهمية له وللمجتمع. كما ركزت هذه النظرية على أهمية الفن للأطفال وترى أن الفن يمد الطفل بخبرات عديدة وان هذه الخبرات الفنية هي جزء من الحياة اليومية.
4.  نظرية فنون الأطفال للتذوق والتكوين الفني: صاحب هذه النظرية هو ويزلي داو، تقوم هذه النظرية على أساس التذوق الفني وفهم الكيفية التي تجمع بها عناصر الفن وأسسه لعمل التكوين. وإن الفهم الأفضل لأهمية الفنون في حياتنا يقتضي الاعتراف بالقوى الإبداعية بوصفها موهبة تحفز روح كل إنسان. تهدف هذه النظرية إلى تقوية عزيمة الطفل واعتماده على نفسه. وبرى صاحب هذه النظرية إن أول خطوة لتحقيق التكوين هي الانسجام.
5.  نظرية التصور العقلي: أو نظرية الفن والتصور العقلي، يعود تأسيس هذه النظرية إلى ماريان رتشارد و ورود جر فراي، يرى أصحاب هذه النظرية أن طبيعة الفن متأصلة في الانسان وان الصور الذهنية هي مادة التعبير الذاتي. ابتدع مؤسسوا هذه النظرية طريقة الفن المغلقة في التعلم حيث تعرض الأشياء لفترة أمام الأطفال ثم تبعد عنهم ليرسموها من الذاكرة مطورة بذلك الملاحظة، تدريب الذاكرة والابداع.
6.  النظرية المعرفية: تعود فكرتها إلى كل من فلورانس جود انف وديل هاريس. هذه النظرية لاتنظر إلى فنون الاطفال بوصفها اعمالا فنية وانما انعكاسات للتطور والنمو المعرفي. إن رسومات الاطفال من وجهة النظرية المعرفية ليست اعمالا فنية بل مؤشر لتحديد النمو العقلي المعرفي لديهم.
7.  نظرية الحساسية والإنسجام: وضع هيربرت ريد هذه النظرية الذي صنف أنماد للتعبير لدى الأطفال وهي كالآتي: التعدادي، العضوي، الزخرفي، التخيلي، التأكيدي، الحسي التعبيري، الشكل الايقاعي، البنائي. كما أكد ريد على وحدة الانسجام بين الفرد والمجتمع وإن الفن عنده هو العملية العامة التي يتحقق بها الفرد الانسجام بين عالمه الذاتي الداخلي والنظام الاجتماعي الذي يعيش فيه. ثم أكد على التربية عن من خلال الفن بمعنى استخدام الفن كوسيط لتحقيق غايات التربية.
8.  نظرية النمو الإبداعي والعقلي: وضع هذه النظرية فيكتور لونفيلد، اعتبرت هذه النظرية أن الفنون مرتبطة بذاتية الطفل. و أن هذه الفنون إلهامية وذاتية ومعبرة عن ذات الطفل وتحقق له التواصل مع الآخرين.
9.  نظرية الإدراك الكلي والمفهوم البصري: صاحب هذه النظرية هو شيفر سيميرن و ردولف آرنهايم اللذان يؤمنان بفكرة أن الفن مفهوم بصري وليس تجريدا فكريا محسوباً فالنشاط الفني نشاط بصري. ذهب اصحاب هذه النظرية إلى أن فهم وتطوير البصر المجرد او الادراك الحسي بوصفه عاملاً يحقق التوازن في التعبير الفني قد يؤثر على علاقات الفنان الانسجامية مع نفسه. ترى هذه النظرية ان التوازن مهم جداً وان التكوين في الفن ينمي الصحة العقلية بإبعاد الحيرة والتشتت.
10. نظرية الرمزية والنوذج: وضعت رودا كيلوغ و سيونويد روبتسون هذه النظرية التي ترى أن الفن رمزي بطبيعته ولذلك هو عالمي. وقد عرضت رودا معظم افكارها في هذا الصدد في كتابها الشهير  analyzing children' ويصف هذا الكتاب التصور العقلي الذي يحدث عند ممارسة النشاط الفني.
11. نظرية الاتصال الاجتماعي والثقافي: طرحت هذه النظرية جون ماكفي بهدف المساعدة على فهم سلوك الاطفال من خلال الفن وايضاح الفروق واختلافات فيما بينهم من حيث السلوك الفني. وقد اثبتت من خلال تجارب لرسوم الاطفال ان هناك اختلاف كبير بين رسوم الاطفال والسبب الرئيسي لهذه الاختلافات يعود كما ترى ماكفي إلى كيفية ودرجة الاستجابة مع بيئاتهم التي يعيشون فيها.
ظهرت نظريات فنون الاطفال نتيجة عوامل من أهمها: البيئة، الثقافة السائدة، والخلفية الاكاديمية لواضح النظرية. وقد تأثر بعض واضعي هذه النظريات بمن سبقهم ممن وضعوا نظريات أخرى. لذلك ينبغي التعمق أكثر في دراسات فنون الأطفال يما فيها من العلم الوفير والنتائج غير المتوقعة إلا أنه ومن الضرورة إقامة هذه النظريات بما يتوافق مع قيم المجتمع وثقافته. لذلك نجد بعض معلموا التربية الفنية بالمملكة العربية السعودية يجتهدون لتطبيق بعض هذه النظريات على انتاج الاطفال في التعليم العام خصوصاً فيما يتعلق بتحليل رسومهم. هذا بالإضافة إلى تطبيق بعض الأساليب الحديثة في تدريسهم الفن بطرق مبتكرة.

مع التطور التعليمي الملحوظ في المجال التربوي في المملكة إلا أنه تبقى هذه النظريات وغيرها من المجالات المستحدثة في التربية الفنية مجالاً اجتهادياً من القائم على العملية التعليمية. على الرغم من عمر هذه النظريات الطويل إلا أنها ومع الأسف لم تفعل بصورة مجدية و حقيقية لفهم كيان الطفل من خلال فنه، إلا أن العالم قد تخطى هذه النقطة ووصل إلى ماهو أبعد بكثير من ذلك.


المراجع
الضويحي، محمد حسين (2003). التربية الفنية المبنية على المجتمع ومنزلتها بين النظريات الأخرى في هذا المجال. رسالة التربية وعلم النفس، ع(22) صص95-134، الرياض.
فضل، عبدالمجيد محمد (1989). التربية الفنية مداخلها، تاريخها، وفلسفتها.عمادة شؤون المكتبات - جامعة الملك سعود، الرياض 2000م
البسيوني، محمود. مبادئ التربية الفنية. دار المعارف.
الضويحي، محمد حسين (2003). نظريات فنون الأطفال.. نشأتها وتطورها واتجاهاتها المستقبلية. مجلة كلية التربية- العدد السابع والعشرون (الجزء الثاني)، الرياض.
خميس، حمدي (1993). طرق تدريس الفنون. الطبعة الثالثة.
البسيوني، محمود (1960). أصول التربية الفنية. مصر: دار المعارف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق