الثلاثاء، 21 فبراير 2017




التجربة الجمالية، والتقدير، والنقد

الفصل الرابع عشر من كتاب النقد الفني دراسة جمالية لجيروم ستولنينز

إعداد
رغده فيصل الدعواني

التقويم والتقدير الجمالي:
التجربة الجمالية هي تجربة نقبل فيها موضوعاً ونستمتع به دون أن نسأل أي سؤال فنحن نتقبل الموضوع لذاته فحسب. ونحن لا نستخدمه كأداة لأغراض عملية ولا نسعى إلى إستخلاص معرفة منه، ولا نهتم بنتائجه من حيث الخير والشر. بل إننا نقابل الموضوع بشروطه الخاصة، فإذا كان موقفنا متعاطفاً بحق فإننا نتخلى عن نقد الموضوع أو تحديه. فهذه التجربة الجمالية أشبه بالحب، على الأقل حتى المرحلة التي يصبح فيها الحب مثاراً للشكوى ومصدراً للمتاعب.
 ما الذي نحاول أن نفعله حين نحلل العمل؟ ولماذا نريد تحليله؟ هذه الأسئلة التي تتصدى لها فلسفة النقد الفني. تهتم هذه الفلسفة بأمرين: التقدير Evaluation والنقد Criticism. فالتقدير يقوّم العمل الفني من حيث جودته أو رداءته. أما النقد فشأنه شأن كل فروع الفلسفة التي تبحث عن الإعتقادات والمفاهيم الكامنة من وراء التفكير، فهي لا تقدم حججاً تؤيد أو ترفض إنما تلفت النظر إلى ما يسمى بقضايا مُسلم بها.
إلا أن هناك العديد من الأسئلة المثارة في صدد النقد:
o       ما وظيفة الناقد الفني؟
o       ما الذي ينبغي أن تعلمه منه؟
o       هل يمكن أن يزيد النقد من متعتنا الجمالية؟
o       كيف يجب أن يمضي تحليل الفن؟
o       هل عملية النقد الفني بأسرها ضارة؟
o       هل النقد الفني هو سيل من الكلام يقضي على تلقائية الإهتمام الجمالي؟
بالتالي نجد النظريات الكبرى في الفن توجهنا إلى ما نريد البحث عنه في العمل الفني، وبذلك فإن كلا منها قد وضعت معايير للحكم على الفن، فضلاً على أنها قدمت إيحاءات بالإجابة على السؤال: هل حكم القيمة الجمالي تأكيد متعلق بالعمل، أو هو وصف لمشاعرنا؟
نظريات المحاكاة ترى أن الحكم يعني أن الموضوع قد توافرت فيه خصائص يشترك الناس في إدراكها، أما النظرية الشكلية تبدي إهتماماً أعظم بالمشاهد، على حين أن نظرية الحقيقة الفنية وضعت معايير معينة للحكم على الفن، ويتضح هذا في موضوعات القبح والجمال التي تفيد إتساعاً في نطاق اللغة النقدية.
إن التمييز بين الدراسة الجمالة والدراسة الفلسفية للنقد تتم على النحو التالي، فالأولى تتعلق بوجدان القيمة أي الإهتمام بموضوع ما والشعور بأنه ممتع. أنا فلسفة النقد فتبحث في عملية التقدير أي تحليل الجودة الجمالية للموضوع والحكم عليها.
"يجد بعض المفكرين – مثل تولستوي - أن عملية النقد غير ضرورية وأن الأعمال الفنية لا تحتاج إلى شرح". قد يكون هناك القليل جداً مما يحتاج إلى شرح في الأغاني والأساطير الشعبية. أليس العمل الفني مكتفياً بذاته؟ إلا أنه قد لا يكون شارحاً لذاته. فمن الواجب أن لا ننخدع بالبساطة الظاهرية للموقف الجمالي. ومن المنطق أن يعتمد الإدراك الجمالي على موجودات العمل الفني إلا أن هذا الإدراك لا يستنير إلى بالنقد. التقدير والنقد عاملان مهمان لا غنى عنهما في مفردات حياتنا الجمالية، ولولاهما لكان إدراكنا أعمى أو مشوهاً. ففي الميدان الجمالي يستطيع النقد أن يكتشف في العمل العمق والعقد التي لم تخطر على البال أبداً.

الموقفان الجمالي والنقدي:
الشعور بالقيمة الجمالية والتقدير النقدي مختلفان كلٌ عن الآخر،  فالموقفان الجمالي والنقدي طريقتان في النظر إلى الموضوع، يصل الإختلاف بينهما إلى حد أنه عندما يكون لأحدهما السيطرة في الذهن، فإنه يطرد الآخر، فليس من السهل وجودهما معاً. ولو استطعنا أن ندرك السبب، لأدركنا على نحو أفضل لماذا كان الفنانون ومحبي الف يتشككون في نقاد الفنون أو يعادونهم.
تدل عبارة "اتخاذ موقف النقد" في أكثر معانيها صرامة، على التنقيب عن العيوب. وهي تشير إلى تقدير نواحي القوة ونواحي الضعف، إلا أنها توحي إلى حالة تجرد وحذر. فإتخاذ موقف النقد يعني رفض الموافقة حتى يأتي الموضوع إلينا ويقدم أوراق إعتماده، ولا يمر إلا إذا أثبت جدارته.
أما الموقف الجمالي فهو يدعو إلى الولاء للموضوع بحرية، ودون تساؤل. فالمشاهد يرغب في أن يحيا في موضوع العمل الفني ويستسلم له دون تشكك وإنعزال - وإن كانت الإستعارة مبالغ فيها -  لذا يقبل المشاهد الموضوع بشروطه الخاصة ويتخلى عن أي تحدٍ له، وعندما يبلغ الإهتمام الجمالي أقصى درجاته، يفقد المشاهد ذاته في الموضوع.
الإدراك الجمالي لا يعمل على تقطيع العمل وإنما يدركه في كليته. فالصفات الحسية التي يتحدث عنها الناقد ما هي إلا مشاعر مباشرة بالنسبة إلى المشاهد. والعلاقات الشكلية التي يحللها الناقد هي في نظر الإدراك الجمالي روابط حيوية بين التوقعات والتوترات التي تعمل على إشاعة الحياة في التجربة، وتجمع بين أطرافها بطريقة محكمة. والحقيقة التي يلخصها الناقد بطريقة نثرية يحس المشاهد أنها متغلغلة في جميع أرجاء العمل ومتجسدة فيه. فما يريد المشاهد إدراكه هو الكل الشامل للعمل. وهو يهتم بما يسميه "ديوي" معاناة تجربة، ولا يريد قائمة مفصلة من العناصر.
غرض الناقد مختلف عن غرض الإدراك الجمالي. فالناقد يريد الدفاع عن حكم القيمة الخاص به، أما الموقف الجمالي فليس لديه إهتمام خارج نطاق الإدراك المحض. فاللذة الجمالية لا تصل إلى أعلى قممها إلا عندما تكون غير واعية بذاتها وتكون إستغراقاً أو إندماجاً لا يحد منه المقصد المعرفي للتقدير والتحليل الموضوعي. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق