الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

نظريات التربية الفنية المعاصرة وكيفية الإستفادة منها


مقدمة:

بدأ الشرق الأوسط في ممارسة التربية الفنية مع بداية هذا القرن، عن طريق الإستعمار الأروبي لدول عربية مثل دول شمال افريقيا كمصر، تونس، الجزائر، وغيرها. بالتالي تقُولبت أهداف التربية الفنية تبعاً لغايات المستعمر في نقل هويته الإجتماعية إلى الدول المُستعمرة. (فضل،2000)

عندما بدأت التربية الفنية في مصر لم تكن مصوغات المناهج لديها مختلفة عن المناهج في البلدان الأخرى مثل بريطانيا وفرنسا بالنسبة لتونس وغيرها من الدول المستعمرة من قبل فرنسا. لذلك لم تتوحد المناهج فقط بل وطالت حتى الخامات المستخدمة في المقرر ودرسوا التربية الفنية عن طريق معلمين إنجليز. (فضل، 2000)

هذا ماحدث بالنسبة لإنتقال التربية الفنية لدول عربية أخرى، بحيث أن معلموا التربية الفنية من جمهورية مصر والسودان عملوا في المملكة العربية السعودية – على سبيل المثال- ونقلوا خبراتهم إليها. هذه الخبرات تكونت بسبب تفعيلهم للمناهج وحضورهم للمؤتمرات الدولية التي أثرت المجال، وإلا لما انتقلت إلينا النظريات المستحدثة في التربية الفنية، هذا بالإضافة إلى نشاطهم في ترجمة الكتب الفنية التي عملت على إثراء الأبحاث العلمية في التربية الفنية وفتحت المجال للتوسع بها. (الباحثة)

تطرقنا إلى نظريات التربية الفنية خلال المحاضرات السابقة، وإلى نشأتها في الدول الغربية والعربية. كذلك المقارنات بين بعض الدول في تدريس هذا المجال في التعليم. وصولاً إلى النظريات المعاصرة لها. في هذا التقرير لا ترتبط الباحثة فقط بكيفية الاستفادة من النظريات المعاصرة في مجال التربية الفنية بل تتوصل لبعض اللإفتراضات على المستوى التعليمي والإجتماعي. (الباحثة)

لطالما فهمنا بأن النظريات تتمثل في المجال التعليمي كي يكون لها تطبيق فعلي، إلا أن لها الحيز الأوسع الذي يمتد للأنشطة الإجتماعية الذي يفعل دورها على المستويين البيئي والإجتماعي ليس فقط على مستوى التربية الفنية. هذا إيضاً يعتمد على نوع النظرية ومفهومها ومجال تطبيقها إلا أن العلم سخر كل الفرص لفاعلية التطبيق على أوجة الحياة المتعددة. (الباحثة)

للتعرف على مجال الإستفادة من النظريات المعاصرة للتربية الفنية، تسرد الباحثة بصورة موجزة معلومات حول فلسفة كل نظرية، مع طرح بعض الجوانب المساهمة في الإستفادة من إمكانيات التربية الفنية في شتى النظريات المطروحة في هذا التقرير، مدعمة بذلك فلسفتها الخاصة، وهي كالآتي:

1.    التربية الفنية في خدمة الصناعة:

من مسمى هذه النظرية نجد مدى إرتباطها بالصناعة في المجتمع، لذلك فهي قامت على أساس إعداد المصممين لتفعيل دورهم في المصانع التي تنهض بالخدمة الكافية للبيئة. من هذا المنطلق، تجد الباحثة أن التربية الفنية تدعم الصناعات الوطنية ممثلة الهوية الإجتماعية في شتى المجالات كالعمارة ومرافقها، الأثاث، الكماليات، الصناعة الغذائية، الملابس. وكل هذا يأتي في السرد التالي:

أولاً: العمارة ومرافقها: كأن تتلبس المباني بالهوية المكانية التي تظهر الثقافة المحلية للدولة، كالزخارف، نمط البنيان، و الأسلوب المعتمد والمطور في العمارة. كذلك المرافق التي من المهم أن تظهر فيها هوية المجتمع كالأماكن العامة والمطارات، خصوصاً المجتمعات التي تتشكل وتتقولب تبعاً للدين والعُرف فيها.

ثانياً: الأثاث: كالصناعات الوطنية في شتى أنواع الأثاث والمستلزمات المنزلية. هذا ما يدعم المنتجات ومستوى جودتها وتنافسها بين الجودات غير الوطنية والذي قد يمتد إلى التصدير للخارج كما هو الحال في البلدان المُصنعة. لتتخذ موقعها بين مصاف الدول الأخرى والتي قد يضعها ضمن الإطار التنافسي. إذاً فالمستوى هنا يتعدى المجال المحلي متلبس كذلك بالهوية الوطنية.

ثالثاً: الكماليات: متمثلة في العناصر الجمالية مثل الزينة، والتحف والرمزية التي تحمل هوية المجتمع والتي يهوى إقتناءها السواح والزائرين. كأن يُطبع شعار المملكة العربية السعودية على تيشرتات ملونة، وكأن تنفذ نماذج مصغرة وملونة لبعض الدلالات البيئية كالقبعات الجنوبية والخناجر والمباخر والملابس وغيرها من الرموز، ممثلين بذلك سيميوطيقية تنافس المفهوم الفلسفي في تحليل وتفسير بعض المصطلحات عن طريق الدراسات الفنية على مستوى التعليم العالي.

رابعاً: الصناعة الغذائية: في السنوات الماضية القليلة بدأت بعض الشركات غير المحلية في إنتاج بعض المأكولات الشعبية ووضعها في عبوات مسهلين بذلك مفهوم الطبخ التقليدي وإن كان لايلامسها في الواقعية إلا أنها يسرت الكثير على ربات البيوت من مختلف المناطق في تجريب بعض المأكولات الشعبية المتعارف عليها في مناطق أخرى, (كالمطازيز التابع لشركة قودي). هذا لايمنع في تجريب العديد من المواد الغذائية المحلية التي من الممكن أن تكّون مفهوم غذائي يمثل الهوية المحلية لدى غير المحليين في الوطن.

خامساً: صناعة الملابس: كما هو واقع ومعروف بأن المملكة مترامية الأطراف تتمثل فيها العديد من القبائل والمفاهيم والأعراف التي تشمل شتى جوانب حياتهم اليومية، يكاد يكون لكل منطقة سمة تميزها عن الأخرى. كذلك الحال في الملبس كما هو في المأكل، وطبيعة الألبسة من حيث التصميم واللون. فإن نشط الإنتاج في هذا الجانب فلا يُستبعد بأن يكون هناك بعض الرموز الدولية والتي تنافس غيرها في إظهار نوع الملبس في المجتمع، كذلك وكما سبق الإشارة له بأن يكون تابع للكماليات المهداة للزوار والسائحين. وكل ذلك إبتكار يطور ويلامس الهوية المحلية.

2.    التربية الفنية لمعرفة الأطفال: التصقت معرفة الأطفال بالطفل في التعرف علية وقياس تطورة الجسمي والمعرفي ومن غير المستغرب بأن تتطور هذه النظرية وتنفصل لتحلل رسومهم وللتعرف على الجانب النفسي لدى الأطفال لذلك ظهرت نظريات تدرس رسوم الأطفال والذي أُعتبر فناً بعد ذلك. لذلك تسطرد الباحثة ببعض التوجهات للإستفادة من هذه النظرية وتفعيلها في التربية الفنية، وهي كالآتي:

أولاً:  ينبغي أن يحمل من يتعامل مع الأطفال رخصة مزاولة مهنة وأن يكون على مستوى رفيع في علمه لتدريسهم.

ثانياً: تفعيل تحليل رسوم الأطفال ضمن مناهج التربية الفنية وإكساب القائمين عليها دورات تدريبية لتنمية قدراتهم التحليلية وربط هذا المجال مع جوانب متعددة مثل العلاج النفسي، الموهبة، والعنف الأسري.

v   تفعيل التربية الفنية في المدارس والتعاون مع الإخصائي الإجتماعي لحل المشكلات والتوجيه للجهة المختصة. وكي نتبع هذه النقطة بجانب آخر نجد أن الرسومات تقيس مدى التطور الذهني لدى الطفل.

3.    التربية الفنية للتذوق الفني:

v   التذوق الفني مرتبط بالثقافة الفنية والتغذية البصرية المستدامة في المجتمع، فكلما علا مستواها لدى الفرد كلما إرتقى ذوقه الفني في إختياراته وأسلوب معالجته للأشياء.

v   للذوق الفني مسار قد لا يُفهم في بادئ الأمر إلا أنه يتكون عن طريق الثقافة الفنية. ومع نمو هذا الذوق يستطيع الفرد أن يختار الأثاث ليظهر الإتزان في تنظيم الأثاث وإختيار الألوان المتوفقة.

v   التذوق الفني مرتبط بالنقد الفني المبني على أسس دراسات فنية كالتربية الفنية النظامية. عندما يتعلم التلميذ التربية الفنية النظامية من جميع جوانبها الأربعة: كتاريخ الفن، علم الجمال، الإنتاج الفني، والنقد الفني ينمو مع العديد من المفردات الفنية ليكون بذلك ذوقه الخاص به الذي يؤهله للحكم على الأشياء من حوله والأعمال الفنية.

4.    التربية الفنية للإنتاج الفني: الإنتاج مرحلة متوقعة لأي عملية من العمليات التي قد يقوم بها أي فرد. قد يكون هذا الإنتاج ردة فعل لتصرف قام به، وقد يكون ملموس كما هو الحال في التربية الفنية.

v   يدخل الإنتاج الفني في مجالات متعددة من الفنون كالسينما، الرسم، التلفاز، الإعلان، المسرح، وكما يصل إلى الرسومات التشريحية والتوضيحية في كتب الطب الدراسية، والمزيد.

v   يستفاد من التربية الفنية في إستحداث منتجات فنية تعليمية لذوي الفئات الخاصة كالكفيفيين عن طريق البروز وتطبيق لغة برايل على المنتجات المستخدمة في التربية الفنية كما فعلت الباحثة في جامعة أم القرى ميرفت الشربيني عندما أبتكرت علبة ألوان مزودة بلغة برايل للكفيفيين مزودة أيضاً بالصوت لسماع اسم اللون، وقد حازت على براءة إختراع في معرض جنيف على ذلك. هذا لايقتصر على التربية الفنية وحدها بل يمتد إلى العديد من المواد الدراسية كالتعلم باللعب وإنتاج المستلزمات التي تدعم ذلك عن طريق صناعة الألعاب التعليمية وتصميمها.

v   التربية الفنية للإنتاج الفني تطال الثقافة الفنية والتغذية البصرية التي اكتسبها الفرد من خلال البيئة والتعليم عن طريق الإنتاج المستمر منمي بذلك مستوى الثقافة لديهم والذوق.

v   لايقتصر الإنتاج الفني على ماسبق فقط بل يطال تصميم أغلفة الكتب وإيجاد اللوحات الإرشادية التي تحيط بنا في شتى مجالات حياتنا الإجتماعية.

v   الإنتاج الفني موجود في شتى مجريات الحياة المختلفة كالمحاكم السرية وعلم الجريمة. كأن يحضر الرسام إلى المحاكمة السرية بأدوات فنية يُزود بها من ضمن الجهة المسئولة ويتم الإحتفاظ برسوماته التسجيلية لكامل المحاكمة داعماً بذلك القضية ومجرياتها.  كذلك في علم الجريم كتصوير للحدث أو توقع ملامح المتهم مستعينين على الشاهدين على ذلك.

5.    التربية الفنية للتطور الإبداعي:

v   تساهم التربية الفنية في التطور الإبداعي من خلال الممارسة والإطلاع الفني على نصوص فنية، سواء كان على مستوى تعليمي أو كانت هواية.

v   إن ممارسة التربية الفنية وإكتشاف الموهوبين والحرص على تقديم الجوائز وتنظيم الفعاليات الداعمة لذلك ينتج طبقة تتمتع بالموهبة الإبداعية، ومشاركة هؤلاء الموهوبين في مرفقات الدولة كالمطارات والأسواق والشوارع يعد مكسباً حضارياً يدعم جوانب النظريات السابقة والتي تطال الإنتاج وتنمي الذوق لدى الأفراد.

v   هذا الدعم ينتج إبتكارية مستدامة للموهوبين كما يساهم في إبتكار خامات وأساليب لم يسبق لها مثيل.

6.    التربية الفنية لتكوين المفاهيم:

v   مرونة الفلسفات وابتكار الجديد منها طبقاً للثقافة الفنية السائدة في المجتمع مع تلبية إحتياجاته العصرية.

v   إستحداث نظريات في التربية الفنية من قبل الهواة والمختصين على أن تكون متماشية مع متطلبات العصر.

v   دعم النظريات القديمة والحديثة والمبتكرة من خلال العمل بها وتفعيلها ضمن المنهج في المؤسسات التعليمية كي تنمو جميع النظريات السابقة وتتكون الثقافة الفنية لدى الطلبة حتى يتخرجوا من مرحلة التعليم العام ليكونوا قادرين على الإنتاج والتذوق وإصدار الأحكام الفنية تبعاً لخلفياتهم الثقافية. 

7.    التربية الفنية للصحة العقلية:

v   الصحة العقلية تلامس النفس البشرية فتؤثر عليه، فالتفوق العقلي والقصور العقلي يصاحبة مشكلات نفسية يشعر الفرد من خلالها بالإنفرادية والإختلاف عن قرنائه. فدور التربية الفنية في هذا المسار تساعد المتفوقين على الإستمرارية في التفوق وإزالة الشعور بالإنفرادية، كذلك تساعد ذوي القصور العقلي على التحسن النفسي وتقبل ذاتة والإفتخار بها عن طريق إنجازاته وإنتاجة الفني.

v   يقاس المستوى الذهني للفرد عن طريق الرسم وتحليل الأعمال مع إمكانية الكشف عن تطور الفرد وانسجامة مع الأخرين في كلا الحالتين السابقتين.

v   إبتكار برامج لذوي صعوبات التعلم عن طريق الفن وتسخيرها على أن تكون متوافقة مع حالتهم الصحية والعقلية، وكل هذا يعزز الحالة العقلية لدى التلميذ بمسايرة أقرنائه بتخفيض مستوى التأخر الدراسي لأن التعلم أصبح لديه مشوق ومتتع، وهذا لايقتصر على التربية الفنية فقط بل يمتد إلى جميع المواد الدراسية في المناهج التعليمية.

v   اللوحات الفنية والألوان التي تزين حوائط الجهات الصحية كالمستشفيات والعيادات تدخل البهجة لدى المريض وتذهب به بعيداً عن الأجواء الطبية والتي قد توتره وتزيد من قلقه، فهي تأخذه بعيداً عن جانبة النفسي الذي يعاني منه من حيث التفكير في مرضه أو الإجراءات التي ستتخذ تجاهه عن طريق الأطباء.

المراجع

فضل، محمد عبدالمجيد. التربية الفنية مداخلها وتاريخها وفلسفتها. الطبعة الأولى 2000، جامعة الملك سعود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق