الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

ملامح ظهور النظريات المعاصرة


تزخر التربية الفنية بالعديد من التطورات والاتجاهات، ويتجلى هذا لدى الباحث والمتتبع التاريخي لحقل التربية الفنية. انتظمت هذه التطورات في القرن العشرين مما أدرى إلى ظهور نظريات وفلسفات في المجال. وكحال أي نظرية يتم التوصل لها تبعاً لمفهوم وفكر صاحبها إلا أن سرعان ماتظهر سلبيات ليقوم مجموعة من المختصين بطرح نظرية أخرى، وهكذا.

الرسم هو العمود الفقري في مجال الفنون وتدريسه على مستوى أقطار العالم،لذلك و في هذه المهمة تستعرض الباحثة بعضاً من نظريات التربية الفنية بإيجاز، في محاولة للوصول إلى فروقات تشابه واختلاف بينهم. والنظريات المستعرضه في هذه المهمة هي كالتالي:

1.     نظرية التذوق الفني.

2.     نظرية النقد الفني.

3.     نظرية الإنتاج الفني.

4.     نظرية التطور الإبداعي.

5.     نظرية تكوين المفاهيم.

6.     نظرية الصحة العقلية.

أولاً: نظرية التذوق الفني: ظهر مصطلح التذوق الفني في انجلترا عام 1760م، إلا أن الناقد الكندي نورثروب فراي أشار بأنه في عام 1712م ذكر أديسون أن معظم اللغات تستخدم هذه الاستعارة الخاصة بالتذوق في مجال الأطعمة والمشروبات وصولاً إلى السلوك الجمالي من أجل التعبير عن ملكة العقل التي تقوم بتمييز كل الأخطاء البادية. عرف أديسون هذه الملكة بقوله: "هي ملكة الروح التي تتنبه إلى مظاهر الجمال لدى أحد المؤلفين، وتستجيب لها من هلال السرور، وتنتبه إلى مظاهر عدم الاكتمال إليه، وتستجيب لها من خلال الكراهين أو عدم التفضيل". ولا يعني ذلك إنها ظاهرة معاصرة بل إنها شغلت أجيالاً من المفكرين والفلاسفة منذ أفلاطون وحتى اليوم. (فراج،1999)

 أدت حركة دراسة الطفل إلى نوع من الحرية في التربية الفنية، فتحررت من بعض قيودها واتجه المعلمون بتلاميذهم للنقل من الطبيعة، فظهرت المرحلة التي تسمى بمرحلة دراسة الصورة التي كانت تهدف إلى جعل الأكفال بالمدارس قادرين على تذوق الأعمال الفنية الراقية، مدركين من خلال ذلك السعادة النابعة من التذوق. إن دراسة التذوق الفني لا تقتصر على الفن فقط بل شملت المعاني الإخلاقية بجانب القيم الجمالية حيث استخدمت في هذه الفترة أعمال عصر النهضة مثل ليوناردو دافنشي و رفائيل ومايكل انجلو. (فضل،2000)

ظهرت فكرة هذه النظرية في اوائل القرن التاسع عشر حيث قدمها ميني سوازي، انتشرت فكرته وتبعه الكثير، حيث دعا أصحاب هذه النظرية إلى التحرر من القيود التقليدية في تدريس الفنون بالمدارس حيث أخذ المعلمون تلاميذهم إلى الطبيعة لدراسة جمالها وتصويرها في أعمالهم الفنية. أحدثت هذه النظرية نقلة نوعية في المجال حيث أصبحت في ركيزة صياغة أهداف التربية الفنية. (الضويحي،2003)

لم تستمر هذه النظرية طويلاً حيث رأى المختصون بعدمية جدوى الاقتصار على تدريس الفن بهذا التحديد، لأن التذوق الفني لايمكن أن يكون هو الهدف الوحيد لتدريس الفنون بالمدارس. وعلى خلاف ذلك، اليوم يعتبر التذوق الفني من المجالات المثيرة والمؤكد عليها في مجال الحياة المختلفة متوافقاً ذلك مع التطور الحياتي.

ثانياً: نظرية النقد الفني: برزت أول فكرة للنقد الفني في الحضارة اليونانية، فقد نشأ النقد كجزء لا يتجزأ من فنون الأدب بالتالي فإنه لم يكن حقلاً مستقلاً بذاته. فقد تداخل النقد مع الفلسفة والتاريخ وعلم الجمال والأخلاق. إن كلمة نقد تعود إلى كلمة Krino اليونانية والتي تعني يصدر حكماً. (آل وادي، سلمان، 2014)

ومن جهة أخرى أشار الدكتور عبدالمجيد فضل بأنه لايمكن للنقد أن يكون سليماً مالم يكن مبنياً على أسس واضحة، وهما الشكل والمضمون، وكلاهما يكملان يعضهما البعض. كذلك يوجد العديد من الاتجاهات والأسس لعملية النقد الفني، يطول الحديث بها لما تمثله من إتجاه متشعب وثري جداً.هذا و يعتبر النقد الفني من ركائز التربية الفنية النظامية.

ثالثاً: نظرية الإنتاج الفني: أوجدالبروفيسور ويزلي داو نظرية الإنتاج الفني بانياً أسسه على إنقاذ نظرية التذوق الفنية المحدودة آنذلك، فتدريس التذوق الفني يعمل على وصف الأعمال الفنية وتحليلها والإلمام بعناصر وأسس المنتجات الفنية. أعتبر ويزلي أن تحليل الأعمال الفنية يجعل التلاميذ على التعمق في أسرار علم الجمال الكائن في المنتجات. (الضويحي،2003)

إن الانتاج الفني هي الرسالة التي يرسلها الفنان للمتلقيين. هذا بالإضافة إلى وجود تقسيمات واضحة اعتمد عليها نقاد الفن، حيث قسموا الإنتاج الفني إلى قسمين، هما: الإنتاج الفني من الفنون الجميلة، و الإنتاج الفني من الفنون التطبيقية. (فضل،2000) أٌنتقدت هذه النظرية لأنها تركز على الإنتاج الفني والذي هو ليس بالهدف الرئيسي للتربية الفنية من وجهة نظر نقادها. إلا أنها اليوم تعتبر من مكونات التربية الفنية النظامية. (الضويحي،2003)

رابعاً: نظرية التطور الإبداعي: ظهر الاهتمام بدراسة الإبداع في نهاية القرن التاسع عشرحيث قام بينيه وهنري عام 1896م بدراسة موضوع الإبداع بصفته أحد جوانب الذكاء حيث قدموا عدد من الاختبارات كان من ضمنها اختبارات ترتبط بالخيال، وقد طلب بينيه من مجموعة من الأطفال أن يقومو بوصف مايرونه داخل بقعة من الحبر لقياس مدة الخيال الذي يتمتعون به، إلا أن بينيه وزملاءة لم يتسطيعوا إيجاد نظام معياري يعتمد عليه عند قياس تلك النشاطات. (السليمان،2006)

لذلك وفي أواخر القرن التاسع عشر عمل الفلاسفة وعلماء النفس على توفير الجو الدراسي الملائم للتمكن من إعداد شريحة من التلاميذ يتميز بالإبداع. فقد سعى العالم جون ديوي في ذلك حيث قام بجولات حول المدراس وبين التلاميذ الذي وصف الأولى بالقسوة، وأشار إلى أن النظام التعليمي غير ملائم للتلاميذ ولا يتوقع منه مخرجات أفراد أذكياء أو مفكرون أو مبدعون. دعا جون ديوي إلى أهمية استخدامالتلاميذ لذكائهم في العملية التعلمية وينبغي أن تحتوي دروسوهم على مشكلات قريبة منهم مستحوذة بذلك إهتمامهم، كما أشار إلى  ضرورة النظر إلى التلميذ على أساس أنه عقل وجسم في آن واحد. (الضويحي،2003)

مع بداية القرن العشرون، سعى المعلمون لتحقيق مبدأ الإبداع مع تلاميذهم من خلال مايدرسونه حيث أصبح للتربية الفنية دور رئيسي في تحقيق الإبداع لأنها تتيح للتلاميذ التعبير عن أنفسهم من خلال الأعمال الفنية. إلا أن نظرية التطور الإبداعي أٌنتقدت لأنها حدت من دور معلم التربية الفنية فلا مجال لديه للتدخل والتوجيه ، كذلك لم يعد لمعلم التربية الفنية دور يُذكر. (الضويحي،2003)

خامساً: نظرية تكوين المفاهيم: كنتيجة للإهتمام بالإبداع إلى الإهتمام بعلاقة الفن بالمواد الأخرى في المناهج الدراسية تمت المحاولة في بناء برامج تربوية على هيئة مشروعات أو مشكلات بتجريب طرق جديدة في التدريس، أدى ذلك لظهور طريقة جديدة تدعى بالمشروع. مبتكر هذه الطريقة هو الأستاذ الجامعي وليم هيرد كلباتريك وهو أحد تلاميذ جون ديوي.(فضل،2000) (الضويحي،2003)

تعتمد هذه الطريقة على  النماذج والصور لذلك أصبح للفنون محور رئيسي تدور حولة المواد الدراسية وأصبح معلم التربية الفنية أهم معلم بالبيئة المدرسية، حيث يلجأ إليه جميع المعلمون رغبةً في الحصول على نماذج وصور ومجسمات تدعم العملية التعليمية. كان الأمر مثيراً للإهتمام حتى بدأ النقد يلامس هذه النظرية وأُتهمت بسلب صفة الفن إذ أصبحت بعيدة عن التعبير وتصوير الأحاسيس والمشاعر والأفكار وكأنها تعود بالتربية الفنية للوراء إلى فترة الصناعية. (الضويحي،2003)

سادساً: نظرية الصحة العقلية: عام 1928م، نشرت مارغريت نومبيرغ كتاب بعنوان الطفل والعالم The Child and the World حيث أشار إلى أن الطفل الذي يعاني من الضغوط في نموه المستمر يمكن أن يجد الراحة النفسية في التربية الفنية كذلك يمكن للفن أن يسهم في الصحة العقلية للطفل. (فضل،2000)

الفكرة الأولى التي الهمت مارغريبت نومبيرغ استلهمت من عالم النفس سيجموند فرويد الذي تحدث عن الرغبات والتنفيس عن المكبوتات وناقش مصادر الإنفعالات و أوضح أثر كل ذلك على تصرف الشخص. بذلك أيد كثيراً من المختصين هذه النظرية التي توضح أن التربية الفنية تهدف لتحقيق الصحة العقلية. (الضويحي،2003)

الجدير بالذكر بأن مارغريت نومبيرغ كان لها التأثير الفعلي والأول في مجال العلاج بالفن، لذلك من الممكن القول بأن النظريات تصب في مصلحة البيئة الاجتماعية والأفراد مُصلحة بذلك المجال المهني والفكري وحتى النفسي بينهم. كما نلاحظ الفروقات الشاسعة بين نظرية وأخرى، فكل واحدة كانت تخدم متغيرات حياتية وحاجة ملحة لتعديل المفهوم الفكري والحاجة النفسية، هذا بالإضافة إلى أهمية الاحتفاط بهذه السلسلة من النظريات –التي اكتفت الباحثة ببعض منها- لدعم العملية الابتكارية واستحداث الجديد بما يتوافق مع متغيرات العصر. لذلك نجد بأن كل نظرية كانت تقوم على سلبيات النظرية السابقة في محاولة لإحداث التغيير وتفعيل الأفضل للثقافة والمجتمع عن طريق التربية الفنية، لذلك لانستطيع الجزم بأن هناك مواطن تشابه أو اختلاف بين النظريات إلا أنها كلها تصب في مصلحة أهمية الفن للفرد والمجتمع. (الباحثة)

ويتضح بذلك أن التربية الفنية علم لا يزال يتطور بتطور الفكر التربوي وخصوصية تدريس المادة حيث أن مادة التربية الفنية بمفهومها المعاصر تؤكد على استخدام الطالب لحواسه من أجل إدراك الجماليات في البيئة والطبيعة ومن ثم التطلع إلى التاريخ والتراث الفني والاستفادة من ذلك كله من خلال الانتاج الفني في التعبير عن الذات من خلال ما ينتجه وما يختاره الطالب من موضوعات وبالتالي تنعكس تلك التربية وتلك الثقافة الفنية على نفسه وعلى حياته اليومية. (قزاز،2008)

المراجع:

فراج، عفاف أحمد (1999). سيكولوجية التذوق الفني. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.

فضل، محمد عبدالمجيد (2000). التربية الفنية مداخلها، تاريخها، وفلسفتها. الطبعة الثانية. النشر العلمي والمطابع، جامعة الملك سعود.

الضويحي، محمد بن حسين (2003). التربية الفنية المبنية على المجتمع ومنزلتها بين النظريات الأخرى. الرياض: رسالة التربية وعلم النفس.

آل وادي، علي شناوة و سلمان، سامر قحطان (2014). النقد الفني دراسة في المفاهيم والتطبيقات. الطبعة الأولى. عمان:  دار رضوان للنشر والتوزيع.

السليمان، نوره إبراهيم (2006). التفوق العقلي والموهبة والإبداع. جامعة الملك سعود – كلية التربية.

قزاز، طارق بكر (2008). التربية الفنية علم مازال يتطور. منتديات مجلة فني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق